0






أديب القرن
**
جنازة
حملوا نعش الميت فوق الأعناق..عاد النعش إلي الحياة دونهم...
**
قفزة
قفز فوق ظله..اختفي في الظلمة...
**
عشق الحياة
فصلوا رأس الشجرة عن جسدها..انتفخت بطنها من أثر الخضرة.
**
النوم معها
أخذ السكين..حادة النصل..بين أحضانه..نام فى سكينة.
**
مزْح
 هبت العاصفة الهوجاء..تحت أجنحة الطائرات الحربية.. وقف أمام المرآة ليحلق ذقنه..سكب الماء ليزيل ما علق من بقايا معجون الحلاقة علي وجهه..رفع رأسه يتأمل الذقن المحلوقة بعناية.. اقترب من المرآة مندهشًا..نظر خلفه وقرأ " حزْم!"
أعاد النظر إلي المرآة التي ظهرت فوقها الكلمة معكوسة..غلّفها وأرسلها إلي ملك البدو...
***
نهر الآثام...
 غمس يديه في مياه النهر الرقراقة ..الجارية، شعر براحة تغمره..تغسل داخله المعتم " لقد صدقوا إذًا عندما أخبرونى أنّ النهر يمحو الماضى و كل ما علق به من سواد"
 قرر أن ينزل ..أكثر.. فى النهر، وترك نفسه للمياه حمراء اللون..المنسابة تدغدغه..غطس إلى القاع .. صعد على الفور مصعوقًا من هول ما رأى..ضرب المياه بكلتا ذراعيه حتى وصل البر..رقد ليلتقط أنفاسه ..هبطت عليه ورقة الجريدة التى نشرت مقاله..تتهادى فى هبوطها (الآدمى)..غطى ورق الجريدة وجهه الذى ينطق بآثار النعمة..عاد إلى النهر و نشر ورقة الجريدة فوق صفحة المياه .. محاولاً أن يسد فتحات الجماجم التى تفيض منها الدماء...
**
برواز
وقف أمام صورته المُعلقة علي الحائط متأملاً"ما السر وراء قولهم أنّ صورتي أجمل من حقيقتي؟"
 نزع البرواز الذي يحيط بالصورة ودس رأسه داخل إطاره، ثم خرج عليهم ..انطلقت صيحات الاعجاب المخلوطة بالدهشة بمجرد أن حطت أنظارهم علي وجهه داخل البرواز:
- يا لجمال صاحب الصورة!
**
ميراث الحياة
انفرجت أساريري وأنا اتذكر كلماته الأخيرة التي ألقاها في أذني وهو حبيس فراش الموت
"أشعر وكأن صخرة بحجم جبل تنزاح من فوق كاهلي."
 انتابني الشعور ذاته وأنا أنظر إلي ابني الباكي جوار فراشي..مددت يدي أطبطب علي كتفه واتحسس موضعها..بعد أن انزاحت عن كاهلي..ثم أغمضت عيني للمرة الأخيرة.
**
وحدة
نقر علي القفص بأصبعه..أطلق المحبوس صوصوات حادة،متقطعة،وهز ذيله في علو وهبوط:
 - صباح الخير يا صديقي!قالها وهو يمد يده بالطبق الصغير عبر الفتحة المخصصة لإدخال الطعام"لو أني أعرف فيما تفكر! لو أنك تتحدث مرة و تفضي إلي بمشاعرك!"
 ترك الطائرالوحيد في قفصه،ووقف أمام شباك الغرفة..يحدق عبر السلك المعدني في الفراغ.. وضع كلتا يديه علي السلك وضغط في قوة ثم عاد إلي القفص والتقط حبات من الطبق وألقي بها في فمه.
**
افتراس
 مد إليّ يده برغيف الخبز الساخن..نظرتُ إلي الرغيف في نهم(شهوة)..ثم رفعتُ ناظري إلي اليد الممدودة نحوي..انفرج ثغري وسال اللعاب من فمي وأنا أشعر بتدفق الرغبة المشتعلة داخلي.. لويت عنقي إلي الشمال قليلا وأنا أمليّ عيني منه،وبدأ يعلو صدري باللهاث..انقضتُُ علي الذراع قاطعًا أياه ثم جلستُ في الخفاء..أكل رغيف الخبز..قابضًا علي اليد الممسكة به بين مخالبي..
**
ابن الكلاّف
 "و غيرت كمان أسم عليتك من فقري وبقيت بقري؟! مش غريبة عليك يا مصطفي يا ابني!ما انت ابني البكري،وطول عمرك كنت بتستعر مني علشان باشتغل كلاّف،قل لي انت من اللي حقه يستعر من التانى؟اللي بيشيل روث البهايم،ولاّ اللي شغال كلاّف عند الأسياد وداير وراهم يشيل وساختهم وينضف مكانهم؟"
 هبّ من النوم..يتصبب عرقًا..وكلمات أبيه الذي غادر الدنيا منذ أعوام ترن فى أذنيه، فوجىء برنين جهازه المحمول ،ضغط علي زر تلقي المكالمة،ثم قال:
- تحت أمرك يا معالي الباشا! أنا هاجي النهارده فى البرنامج،وأخلص الموضوع من أساسه!
 حانت منه التفاته قبل خروجه لصورة أبيه المعلّقة فى الصالة..استوقفته ابتسامته المستهزئة التي علت شفتيه،و كأنه يقول" ابن الكلاّف يعيش طول عمره كلاّف!"، تجاهل الابتسامة سريعًا وغادر ليواصل عمل..أبيه.. الذي نشأ عليه...
**
كوفيّة..
 ضغط علي الكوفيّة بقبضة يده بكل ما أوتي من قوة..وكأنه أراد أن يدفعها إلي النطق وشهادة الحق.."ابني يقدم علي الانتحار؟!..كيف؟لقد ربيته علي النزاهة والشرف..حتي أنه وهو في منصبه الرفيع كان يستحي أن يرفع عينيه في عيني..فهل يقدم من يملك هذا الحياء علي الانتحار؟لا!..لا يمكن!..حتي ولو أراد فهل أمكنه أن يخنق نفسه بهذه ال....؟ أنطقي وخبّرني من فعل هذا بابني!"
 حرّك هبوب الهواء الشراشيب في طرف الكوفية فلامست ظهر كف الأب الحزين في لطف.. شعر بشىء ما غامض يجتاحه..وصورة أبنه تترائي(تتجسد) أمام ناظريه في تلك اللحظة..وأصابعه تطبطب علي معصم خانقه من الخلف حتي يكف يده..ولكنه لم يستجب..استجاب الأب لتوسلها وسقطت دمعات من عينيه لتبلل الكوفيّة...
**
ملاحقة أمنية
 هجمت حشود قوات الأمن علي المقهي الواقع في نصف البلد..العشرات و العشرات المدججين بالسلاح..أغلقوا كل المداخل والمخارج،حتي النوافذ تسلقها العساكر كما القرود وسدوها في عين الهواء..مخافة هروب أحدهم.. دخل الضابط الكبير، قائد الحملة الأمنية في هيلامنه ، وحذائه يقرع البلاط القديم للمقهي،جاس بعينيه الثاقبتين خلال الوجوه العابسة ،الواجفة..ثم صاح من مكانه حيث يقف في منتصف المقهي:
- مين اللي قال النكتة ؟
صدرت ضحكة من أحد الجالسين،التفت إليه الضابط علي الفور، وأمر رجاله :
- أقبضوا علي الراجل ده ...و اللي معاه !
 - يا باشا أنا ما عملتش حاجة، والله العظيم ما عملت حاجة ! قالها الرجل في نبرته العاجزة ، المثيرة للشفقة ، إلا أن الضابط الكبير أجاب في غطرسته :
- ضحكت و لا لأ؟!
- وهوه الضحك بقي حرام في البلد يا أخوتنا ؟
- خدوا الرجل ده من قدامي وأرموه فى البوكس!
 فجأة تبدلت ملامح الضابط الكبير،و أطرق أذنيه ليتحقق مما يسمع ،ثم مشي علي أطراف أصابعه ناحية باب المقهي،مد عنقه إلي الخارج،ونظر يمينًا و يسارًا ، رأي مجموعة من أطفال الشوارع يسيرون و يضحكون فى صخب و براءة،فصاح في رجاله:
- النكتة ! أقبضوا عليها!
**
 عمرو زين

إرسال تعليق

 
Top