المرأة والشعر
لماذا لم تظهر الأديبة العربية في تاريخنا بالقدر الذي يتجه لها استعدادها أصالة لفن القول ؟
قد يجاب بأن عزل المرأة العربية عن الحياة العامة قبل الحديث هي التي حالت دون ظهورها ولكن هذا القول إن جاز أن يصدق علي عصور العزلة فليس يصدق بحال علي فترة طويلة من ازهي عصور تاريخنا الأدبي منذ قديم الجاهلية المعروفة لنا إلي منتصف القرن الثاني للهجرة حيث بدأت محنة العزلة فالمرأة العربية في الجاهلية لم تكن قط كما يتصور الكثير منا خطأ بمعزل عن الحياة العامة ولست أعرف فيما قرأت من تاريخ العرب قبل الإسلام حادثا جليل لم تشارك فيه المرأة وكذلك الأمر في العصر الإسلامي الأول ليس صحيحا ما يظنه أكثرنا من أن الحجاب الإسلامي قد عزل المرأة عن الحياة العامة بل الصحيح الذي يشهد به التاريخ أنها كانت هناك في كل مجال حيوي عام المواقع "
ص 14 بنت الشاطئ الشاعرة العربية المعاصرة
والمرأة بطبيعتها تجيد الرثاء وتستثار مشاعرها المرهفة امام صدمة الموت لكن ماذا عن غير الرثاء
هنا تلقانا عقدة من أخطر العقد في هذه القضية فمؤرخوا أدبنا قد سيطرت عليهم فكرة خاطئة صورت لهن ان الشاعرة العربية لا تحسن غير الرثاء ومن ثم حددوا هذا المجال الفني للشاعرة بالرثاء وحده فلم يهتموا بغير قصائدها أما غير الرثاء فلا اهتمام به ولا التفات وبحسبكم شاهدا دليلا أن بن سلام لم يجد مكانا للشاعرة ليلي الاخيلية في شعراء طبقاته العشرين الإسلاميين مع انه قال في ترجمة النابغة الجعدي وهو عنده من شعراء الطبقة الثالثة " إن ليلي الأخيلية غلبت عليهم " الأصمعي فحولة الشعراء ص 34 0
وسكينة بنت الحسين قبل أن يعترف بها مؤرخو الأدب مع أن تراثنا الأدبي يشهد بأن إمامة النقد عقدت لها في عصرها فإليها كان يحتكم أكبر شعراء العصر وعندها كان رواة الشعر يلتمسون الرأي فيما اختلفوا فيه من منازل أصحابهم وأحكامهم النقدية تتمثل لنا في مركز القيادة
إن أسبابا اجتماعية قاهرة قد تحكمت في وضع الأديبة العربية فحركة الجمع والتدوين لتراثنا ثم تاريخه ونقده قد نشطت في مستهل العصر العباسي علي أيدي رجال عاشوا بعقلية مجتمع رأي المرأة معنويا وعزلها عن الحياة العامة وثم لم يكن لها من تصورهم أن تتحدث عن عاطفتها وتكشف عن أسرار ذاتها فلا عجب أن أهدروا شعرها في غير الرثاء الذي حصروا فيه مجالها الفني ورووا قصائد الشعراء الذين تولوا الحديث عن عواطف الأنثي وكانوا هم الذين صوروا لنا عالمها النفسي كما فعل امرأ القيس
والإماء هن اللواتي استطعن تحقيق الوجود الفني للمرأة في عصور وأدها عاطفيا فقد كن عنصر من أهم العناصر في ازدهار الأدب وعرف تراثنا عددا غير قليل منهن ذوات أصالة فنية واقتدار أدبي وان القي بهن مؤرخو أدبنا ولا بد بمن يريد معرفة الوجود الفني للأديبة العربية أن يستخلص تراثها المبعثر في شتي المصادر في ماضي تاريخها الأدبي 0
أما عن الشاعرات المعاصرات بعد أن نالت المرأة حظا من الحرية والانفتاح الفكري والانطلاق والبحث عن الثقافة نذكر علي سبيل المثال لا الحصر نماذجا منهن 0
شاعرة الطليعة في فجر البعث العربي استطاعت عائشة عصمت تيمور أن تثبت وجودها الأدبي فسجلت تحرر الأديبة العربية من الوأد العاطفي من وراء حجاب واحتالت لهذا التحرر بأن غنت أشواقها بلسان الرجل غير أنها لم تستطع أن تحقق وجودها الثوري وقد فرضت بيئتها الخاصة ألا تشتغل بقضايا الأمة إلا في نطاق محدودو ببلاط القصر السلطاني الخاص وسراي الخديوي0
وأما جرأة شاعرة الطليعة علي التعبير عن أشواقها ومواجدها فقد كانت إيذانا ببدء التحرر من الوأد الملتوي والكبت العاطفي وهي في هذا تعد كما قلنا نقطة الانطلاق في اتجاه واضح في الشعر النسوي الحديث 0
في جيل أمهاتنا انطلق صوت أم نزار الملائكة من وراء حجاب معلنا عن الوجود الثوري للمرأة العربية في أغلال حجابها وقيود عزلتها ومسجلا انطلاقها الوجداني عبر الأسوار إلي الأفق القومي العام مناضلة بشعرها في قضايا العرب الكبري فكانت هادية الجيل وأم أشاعرة العصر 0
وقد تربت في أحضانها نازك الملائكة التي بدأت تتألق في الأفق الأدبي منذ عام 1947م وقد كانت قضية فلسطين من أهم القضايا التي شغلت بالها وهزت أعماقها ولها قصائد عدة إحداها قاربت مائة بيت عدا نظمتها قبل أن تصل الفاجعة إلي ذروتها المشئومة فتزاوج فيها صوت الشاعرة بين يأس وأمل واختلط الرجاء بالقنوط
ومن الشاعرات فدوي طوقان من فلسطين 0
أما الشاعرة العربية المعاصرة فتخوض المعارك بكل طاقاتها الشعرية وإن كان من شاعراتنا من قصدن إلي الموعظة والاعتبار مباشرة فإن منهن قلة لم تلبس زى الخنوع وإنما كان مناها أن ترجع عن وقع هذه المآسي البشرية علي حسها المرهف
إن كل معاناة ذاتية لشاعرة العصر نازك الملائكة هي من هذا الأفق العالي الذي تصيره لها التجربة الفردية تجربة إنسانية مشتركة مسجلة بهذا عمق ظاهرة الاندماج التي أشرت إليها في مطلع حديثي عن الاتجاه الإنساني في الشعر النسوي المعاصر ومضيفة به قيمة جديدة للشعر العربي الذي طالما شكونا اهتمامه البالغ بمظاهر الأشياء وانفعاله بقريب المشاعر ص 116 0
وتأتي نازك ومعها عدد من شعراء العصر وشاعراته فتجاور بعد أبعاد الطول والعرض إلي العمق الموغل في عوالم النفس ومجالي الروح ودني الوجدان علي نحو لا اذكر أن العربية قد عرفته في أكثر مشهوري شعرائنا الماضين إلا استشراقا ومحالة حتي لقد ارتاب المرتابون في قدرتها علي أدلة مثل تلك الأسرار المستكنة في طوايا الذات ومساره النفسي والمعاني الوجدانية الزمنية التي تقوت م المصطلح العجمي والدلالة الشائعة ونتجاوز المشاعر القريبة البادية علي السطح "
واسمحوا لي أخيرا أن اجهر باعتزازي باني واحدة في جيل تحرر استطاعت ان تقدم إلي الشعر العربي هذا الصنيع فتنبأت بشعرها وبدراستها لقضايا الشعر المعاصر أن العربية قادرة بمرونتها وحيويتها علي أن تستجيب لدعاء التطور وتلبي حاجة العصر و أن تنفصل عن قديمها أو تثبت جذورها في أصالتها الضاربة في أعماق الزمن "
الشاعرة العربية –بينت الشاطئ ص 130-116-90-117-
لقد كان للمرأة المسلمة مواقف في الأدب نضت جوانبه وزكت فنونه ورقت مشاربه بما أثمرت قريحتها وأفرغه لبها من براعة ورجاحة وقوة عرضة قد استمدت وحي البلاغة وسحر البيان من حبيب قلبها وحظر سرائرها بعكس الرجل الذي استمد وحي بلاغته من دلال المرأة وسحرها
إن المرأة لها من دقة الحس وقوة العاطفة وبعد الخيال فوق ما للرجل فهي لا تبرح الدهر بين خاطر مؤثر ووجدان متأثر لا تكاد تسمع خبر أو تلمح منظر أو تطيف بها ذكري حتي تنال ذلك من أعماق نفسها وأسارير وجهها وشئون عينيها " ص 17 0مكانةالمرأة في الاسلام0
ولا أعلم كيف غفل متأدبوا الأندلس عن استقصاء شعر نسائهم والعناية بتقييده فهم يسمون ولادة بنت لمستكفي غلية الأندلس ويدعون حمدة بنت زيادة خنساء العرب وهم مع ذلك لا يذكرون لكليهما إلا القليل المحدود من الشعر الذي أثارته مناسبة فهل لم تأت خنساء المغرب بأكثر من بضعة عشر بيتا في الشعر أكثرها مداعبات ومطارحات وهل لم تأت إليه الأندلس بأكثر من عشرين بيتا بعضها منسوب لعيره أقول ولعل ذلك لأن أكثر الكتب التي وصلتنا من حياة الأندلس بعد سقوط ذلك البلد العظيم وألف في بلاد خفت فيها أدب المرأة عن منال الأقلام فلم يحفل كتابها بها
" مكانة المرأة ص 147-149 الكاتب/
إرسال تعليق