
تغريدة الشــــــــــــعر العربي
بقلم : السعيد عبد العاطي مبارك – الفايدي
---------------------------------------
شـــــــــاعرة الشتات
حمدة خميس – 1946 م
«أكنا شظايا
فجمعنا الظل؟
وكنا رهاف
الطبائع
فحجرنا الاشتهاء»
---
«قد أنسج الكلام في الأحلام
وحين يقظتي
يضيع في الزحام
أتوه مرة عن غايتي
ومرة أنقش كالإزميل
في ضراوة الزحام»..
---
ان الشعر العربي له مذاق وطابع متفرد في منطقة الخليج العربي لما يحمله من دلالات عبر التاريخ بين عظمة المكان حيث البيئة التي نبت فيها الشعر مع الصحراء في جزيرة العرب و كانت أسواقه و صناعته بين القبائل البدوية القديمة و اليوم ظل محافظا علي مفرداته في جماليات المعاني السامية و ايقاعاته الاولي في أخذ من مناهل الحداثة في وفاق ---
و أن الشعر النسائي مرحلة تكميلية لهذا الابداع الذي يتقدمه المجتمع الذكوري و معه علي الخط المستقيم الأنثوي فهما مساران واحد للفني الانساني المعبر عن كيان المجتمع ---
و شاعرتنا " حمدة خميس " تعد رائدة من رائدات حركة الشعر المعاصر و من الرعيل الاول في البحرين و الامارات بل و الخليج و من اللواتي لهن بصمة في شكل القصيدة فكرا ووجدانا و بناء لشكل القصيدة الحديثة المعاصرة ----
و من أقاصي الشتات تكتب قصيدتها في عمق و اقتحام تجربة ذاتية تستوعب الواقع و تستنطق قيم الجمال من خلال الموروث التاريخي و الحضاري و ووحي البيئة وروعة الصحراء ----
مع روح التأمل الي عالم يسمو بالحب بعيدا عن الصراع في براءة و اعتذار الطفولة -------
وفي قصيدة (مقطوعة شعرية) لها بعنوان توسل تقول الشاعرة حمدة:
خذوا ما تشاؤون مني
سخاء الأمومة
وطيب الرغيف
دفء الذراعين
ولوز الجسد
واتركوا لي قليلا من الصمت
لنافذة الروح
وشيئا من العزلة المشتهاة
لكي
أتقد ...
نشـــــــأتها :
-----------
ولدت الشاعرة البحرانية حمدة خميس أحمد في المنامة عام 1946 بالبحرين و بعد المرحلة الثانوية بالبحرين حصلت علي على البكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة بغداد .
عملت في حقل التدريس ، تعيش في الإمارات العربية المتحدة وتعمل في حقل الصحافة
و تساهم بدور فعال في الحركة الابداعية بكل ظلالها ------
عملت بعد تخرجها في شركة الخطوط الجوية البريطانية, ومراسلة لعدة صحف, كما عملت مدرسة في البحرين لمدة تسع سنوات, ثم استقالت لتعمل في عدد من الصحف الخليجية منها: الأزمنة العربية ـ الاتحاد الظبيانية ـ الفجر ـ أبو ظبي ـ اليوم.
عضو مؤسس في أسرة الأدباء والكُتاب بالبحرين, وعضو في اتحاد كتاب الإمارات, واتحاد الكتاب العرب.
دواوينها الشعرية و انتاجها الادبي :
اعتذار للطفولة 1978. معرفش ، عن دار الغد / البحرين 1978
الترانيم ، عن دار الفاربي / بيروت 1985 - مسارات ، دار الحوار / سوريا 1993
أضداد ، عن الإتحاد العام للأدباء والكتاب / عمان 1994 - عزلة الرمان ، عن دار الكنوز / بيروت 1999
مس من الماء ، اتحاد كتاب وأدباء الإمارات 2000
مشوارها الفني و الابداعي :
-------------------------
نشرت حمدة خميس أولى محاولاتها الشعرية عام 1969 وكانت بعنوان (شظايا) ثم واصلت نشر قصائدها في المجلات والصحف المحلية حتى أصدرت أول أعمالها الشعرية في عام 1978.
وللشاعرة اهتمامات أخرى خاصة بالمسرح وبالطفولة
و تتمسك بمرحلة ( الشتات ) ، بمستوييه العام والخاص، و تجزم :
انه سمة من سمات قصائدي، سواء في مجموعتي الأولى "اعتذار للطفولة" او الثانية "ترانيم"، وحتى في المجموعات التي اعدها حالياً للنشر، او التي لا تزال في طور المسودة. هذان الشتاتان مشيا معاً يداً بيد، ولازما تجربتي.
مختارات من شعرها :
-------------------
مع ملحمة " وقت الحب "
و التي تعبر فيها عن هواجسها و توصيف حالة تنتابها تضامنا مع االواقع و الحلم الكيمياني المتفاعل مع معطيات الحياة فتقول في مطولتها الرائعة :
وقت للحب
أيها الحب
أيها اللهب السري في كيمياء الخليقة
أدر نخبك
وانتشلنا
أيها الحب
يا قصيدة الكائنات الجميلة
املا شعاب الأرض
وانسرب في الأصابع والصدور والأجساد
لهبا حميما
يستعر بالطمأنينة والجذل
أيها الحب
سوف اعتلي قمم الأشجار الشوامخ
وأضرب على صدري
بقبضتين من التوق والاحتراق
وأدعو المتعبين إلى مائدتك
ومن شعرها تقول حمدة بعنوان ترانيم:
سألغي المسافة بيني وبين الطفولة
وأرسم فوق الجدار
سنابل حب صغيرة
وفيئا بلون النهار
سألغي الحروف
وألغي الكلام
وألغو:
(تكوين)
للجحيم التي تغسل الآن جرحي
ألقيت خارطة للندوب
للجحيم التي تنشر الآن
أردية للغروب
أفلت ..
أنا والشموس التي لم تزل ثمرا
يندس تحت المسافات
في قشرة الفصل
في الربيع الجنين الذي يتكور
بين يد الماء
والنطفة الراكضة
أنا الصرخة غير واضحة
للجحيم صداها
لي الوقت
والوجد ماء انفجاري
أنا الصرخة المقبلة
توقف
على البحر أبصرت طيرا
ينشر أجنحة للرحيل
ألقيت ظل اغترابي علي راحتيه
اقتربت ..
ليغمس منقاره في دمي
فغسّل روحي بحزن النوارس
عمّدني بسلام المرافئ
هاجرت ..
هاجرت البحر نحو الشاطئ
وقبلني بالرذاذ
أيقنت أن البحار اصطفتني
وأنت ..
(نضوج)
أعرف ..
أن الحلم زواج سري ممنوع
فأعاشره
ألهث فيه حتى يستولدني
قطرات الفرح الممنوع
ألصق المصبوغ بألوان الأحلام
ورائحة البحر
ألعقه حتى يصبح للملح المتفصد
طعم العنب الناضج
لكن الوقت يصيرني عنبا فجا
إني انتظر الموسم كي ينضج
للنار نذرت النضج
فأعطتني قتلي
للنار .. وللحلم معا
(قراءة)
وإذ يفتتح البحر دفاتر أٍفاره
ويقول اقرأوني
ويفتتح الطفل دفاتر أحلامه
ويقول اقرأوني
يقول الوطن
ها أنذا ..
هل قرأتم ..
(اشتعال)
لست أنت الذي يحفر الآن صمتي
يباغتني بالرحيل
لست أنت الذي يقف الآن ..
فوق مشارف وقتي
ولكنه وطن
يرحل الصمت في نخله
ويشعلني كالفتيل
ومن قصائدها تقول حمدة بعنوان وقت للتأمل:
كل ما حولي شفيف ومعتم
صاحب
ويرفل بالهدوء
دم وأغنية
فجيعة وأعراس
ووحدي في عزلة القيود
أتوهج بالرغبات العصية
دم، دم، دم
أطفال قتلي
فتيان قتلي
هدم وجنائز
بالشهوة الدم
وباكين الدمار
خرائب في كل مكان
وفي مكان تنبت زهرة
إني أري
وأعرف مذاق النضوج
فصول الدم تكتب مذكراتها اليومية
مثل حدأة لا تعرف أبعد من منقارها
ومخالبها
ولا تري
قلقتين صغيرتين
تنتصبان خفية علي سوق الحياة
ومن شعرها تقول حمدة بعنوان وقت للطفولة:
أفسحوا الطريق
أزيحو ركام الهدم
إنهم يطرقون صدر الأرض
ببهرج الطفولة
وشراهة الحياة
في الصباح
في بواكير الصباح
تستيقظ (ريم)
تنشر أجنحتها فوق قلبي
تتناول قبلتي
في لغط طفولي لذيذ
وتهرول مشرقة
علي ظهرها
كنز من الدفاتر
ريم يتجمهر الضوء حولك
حين تستيقظين
أغفو قليلا
كي يتسنى لي أن أشعل أفكاري
لقيس عشرة أصابع
لقيس عشرة ألوان
ينتقيها من حليب الأمومة
وشعاع الصباح
حين ينهض قيس مخفورا بقلبي
وفوضي الفراشات
وتزف العسل
حين يهطل بقبلاته، ولغط الغايات
يفتح الكون حدائقه لي
وتصطفيني النجوم
أيها الأطفال يا رنين الضياء
وقبلات الندي
ابتعدوا قليلا .. ابتعدوا
واتركوني لعصف الكلام ورحمة العزلة
فكّوا حريركم من حولي
وخذوا عذوبتكم
إلي ما بعد
ومن قصيدة بعنوان وقت للأمومة تقول حمدة:
مرحى قاسيون
ها أنا أري الزغب الأخضر ينمو فوق وجنتيك
وأغرق الفرح في الجذور
هكذا فتاي يمسّد ذقنه
ويستحث الفحولة
وإذا أراه يحدق جذلا في مرآة عمره
تطوح بي النشوة في المسارات
من يعرف الآن عدد الأمهات اللواتي
يتحسسن
الدم فوق الزغب الأخضر
وتطوح بهن الفجيعة في الانشطار
من قصيدة لها بعنوان أضداد تقول حمدة خميس:
المرافئ
علي بعد قلب وقوسين
تبسط وتغوي
منارات وأبراج
تبعثر قزح الأمامسي
تصطفي التائهين
وترضي أعنة الهدوء
لطمأنينة الإباب
لكننا أسرى السرى
والسهوب
نقتفي المجاذيف
ونوغل في شهوة الخطورة
نرخي حبالنا
ونسلم لرعشة الروح
أشِرعتنا
الأهوال تفاريسنا
والمحيطات المرايا
نتكئ علي غربة أبدية
لا تراددنا المرافئ
عن تيه
يصطفينا لمصائده
تؤرجحنا الغوايات
فنشف
كما قطرة
علي صباح برعم
سادر
في غبطة النهوض ..
أسوارنا عالية وأفراسنا طليقة
و بعد هذا العرض نتمني أن نكون قد وفقنا في القاء الضوء علي عالم الشاعرة البحرانية حمدة خميس فهي صوت نسائي قادم من أعماق الخليج العربي يطرح رؤي المرأة التي تنساب بين قضاياها و هموم الوطن مع الشدو الغناء في محراب الغزل و الحب تعكس ملامح جمال الطبيعة في حضور يتناسب مع الطفرة التي تشهدها المنطقة ثورة حديثة بجانب أصالة الموروث البدوي و سحر الصحراء و ربط الماضي بالحاضر كما تظهر هذه الملامح في تجليات تعبر عنها القصائد من ظاهرة الشتات و لحن الروح التي تعشق خيال يسبح في عالمها المركب نحو قيم تنطق بالعمق التاريخي و البعد الحضاري و النهضة الحديثة فكلها عوامل شكلت تطور الابداع عند المرأة المسكونة بالألم و الحزن و الفرح و الحلم تضاد يبعث التأمل حول المكون الرئيسي في الشخصية العربية و لا سيما الفنية في ظلال متناغم دائما
مع الوعد بلقاء متجدد لتغريدة الشعر العربي أن شاء الله
==========
إرسال تعليق