0



المقامة الانتخابيّة..


***
حدّث حنظلة قال:
بينما كنتُ أميسُ ميْس المغرور، أجُوب الأزقّـة والشّـوارع بقلب منشرح مسرور، إذ بجمْع غفير، يَـدُقـّون الطّبول وينفخون في المزامير، يتبعهم عدد كبير من الصّبيان والغلمان.. وثلّة من المغنّين والمغنّيات.. وبعض الرّاقصين والرّاقصات.. فلا تسمع سوى الضّجيج والغمغمات.. وحفيف التّبختر وأزيز الدرّاجات والسيّارات..
وقفت مزبهلاّ مكفهرّا أمنّي النفس باكتشاف الأمر، ومعرفة السرّ.. والتّخمينات تساروني: "هل في الأمر وليمة أم هي مجرّد زوبعة في الطريق، خاتمتها تافهة ذميمة؟". 
اتّبعت خطاهم بحركات رشيقة.. وانخرطت في هرجهم ومرجهم كيْ أعرف الحقيقة.. وماهي إلاّ لحظات حتّى كانت المفاجأة العجيبة.. والمشاهد الغريبة.. فإذا نحن أمام عدد من الأضاحي المعدّة للتوزيع.. ومع كل ذبيحة قــــفّــة من المواد الاستهلاكيّة وبعض لترات من الزيت النباتي الرّفيع.. أعدّت بإتقان، لثلّة من القطيع.. مقابل التّصويت لمرشّحي القائمة المُميّزة، ورئيسها السّميع المطيع.. الذي أطلّ على الجميع.. بطلعته البهيّة، وصلعته اللمّاعة، وصوته المريع.. وخاطبهم مزمجرا: "أيّها الأوفياء، حرّاس البلاد وحملة لواء القيم النّبيلة في عنان السّماء.. أشدّ على أياديكم.. وبمالي وذبائحي أستعبدكم وأشتريكم.. فاحذروا أن يُغـَرّر بكم... لا تنتخبوا إلاّيَ.. ولا تصوّتوا لسِوَايَ... والويل لمن يخالف الوعد أو يخون العهد.. ألا هل بُلّغتم؟.. اللهمّ فاشهد.." فزلزلوا الأرض من تحت أقدامه بصوت واحد: "لبّيك لا شريك لك.. لبّيك.. الصّوت لك.. والعهد لك.. والبيعة لك.." ثمّ تصايحوا، وتدافعوا، وانقضّوا على تلك الولائم بلا شفقة ولا رحمة..
اقتربتُ من صاحب الجلالة .. حدَّقتُ.. وحمْلقتُ.. ثمّ تأمَّلتُ.. وتثبّتُّ.. فإذا هو واللّه وزيرنا المفدّى في الحكومة المتخلّية، الممنوع دستوريّا من المشاركة في الانتخابات، أو الاضطلاع ببعض المسؤوليّات.. 
لعنت الزّمن الرّديء.. واندفعت مهرولا مغمغما:
سلام على قوم لا يفقهون السّياسة..
تراهم ركّعا سُجّدا في محاريب النّجاسة..
إذا حاربتَ خسّتهم.. باعوك في سوق النّخاسة..
وإن جَـاريْتَ نذالتهم.. أمسيْت سلطان الكياسة.. 
***
منير صويدي

إرسال تعليق

 
Top