
بين زيد وعمرو بقلم على الشافعي
يحكى ــ والعهدة على الراوي ــ ان حاكما في مدينة كان ظلوما غشوما , يأخذ الناس بالشبهة , ويطلق يد اعوانه فيعيثون فسادا في البلاد , ويرعبون العباد , حتى ضج الناس ورفعوا اكفهم بالدعاء , ضارعين الي باريهم ان يأخذه اخذ عزيز مقتدر . وكان يسمع دعاءهم ويهز راسه قائلا : سأجعلكم تترحمون على ايامي . مرض الحاكم , وعندما احس بدنو اجله دعا ابنه وقال : اريد ان اوصيك وصية , وتقسم امامي على تنفيذها , فاقسم الابن , قال الاب : اذا مت اريد منك ان توصلني الى المقبرة بخط مستقيم . توفي الرجل فطلب الابن (الحاكم الجديد) تنفيذ وصية والده بحذافيرها, وكل بيت في طريق الجنازة يهدم , فاخذ الناس يترحمون على ايام الوالد ويقولون : على الاقل لم يهدم بيوتنا . ويقول الشاعر :
دعوت على زيد فمات فسرني فلما اتى عمرو بكيت على زيد اما الذي ذكرني بهذه القصة وبيت الشعر فهو الصاعقة الكبرى التي نزلت على رؤوسنا هذه الايام جراء ارتفاع غير مسبوق في الأسعار من قبل حكومتنا الرشيدة .
تذكرون ــ يا دام مجدكم ــ طيبة الذكر حكومة التعريفة , التي كانت عند رفع المشتقات النفطية ترفعها خمسة قروش على الاقل للتر , وعندما يهبط السعر عالميا تخفضها بالتعريفة أي نصف قرش حتى اطلق عليها تندّرا اسم حكومة التعريفة , فكانت حكومة جباية بامتياز , طوال السنوات العجاف التي عاشتها , لا حلول لديها سوى جيب المواطن , وتضاعفت المديونة في عهدها من 13 مليار دينار عام 2012 الى 27 مليار ولم تخضع للمساءلة عند استقالتها , ولكن على الاقل كانت ترفع الاسعار تدريجيا دون ان يحس المواطن المغلوب على امره , حتى لم يعد يقوى على التحمل فتضرعت الاكف بالدعاء فطارت الحكومة , وظن الناس ان الحكومة اللاحقة ستكون افضل من سابقتها ولكن جاءت الرياح على غير ما تهوى السفن , فكانت القشة التي قصمت ظهر البعير , حيث قررت سد عجز الموازنة من جيب المواطن , ومع ذلك لم يظهر عليها هي ان ضبطت نفقاتها . كيف ؟ سأقول لكم :
بدأت اولا بشراء سيارتين فارهتين لرئيسي مجلسي النواب والاعيان , بينما رفعت رسوم جواز السفر من 20 الى خمسين دينارا , وعلى من رُفع ؟ رفع على الارملة التي عملت جمعية لتحقق حلمها وتكحل عينيها بزيارة بيت الله الحرام ومسجد المصطفى عليه افضل الصلاة والتسليم , او المساكين ابناء قطاع غزة الذين يعيشون على ارضنا ويساهمون في البناء , شركاء المسكن والهموم والمضطرين للتجديد الجواز لكل افراد الاسرة كل عامين , لان الجواز عندهم هو الوثيقة الرسمية الوحيدة المسموح لهم استصدارها . وقد اصبحت رسوم تجديد الجواز لهم (200)دينار .
عمدت الحكومة على عمل تامين صحي شامل للسادة النواب في المستشفيات الخاصة بنسبة تامين 100% لهم ولعائلاتهم , بينما منعت الاعفاءات الطبية عن المساكين الذين لا يجدون قوت يومهم , فاذا مرض احدهم مرضا خطيرا فمصيره الموت , لأنه سيبقى ينتظر دوره في المستشفيات الحكومية بالمتوسط بين الشهرين والثلاثة , اعرف احدهم وصله الدور للعلاج بعد ان توفي رحمه الله بشهرين .
تقول الحكومة الرشيدة انها رفعت فقط سعر المشتقات النفطية , بينما ضاعفت بدل المحروقات للذين يوصلون ابناءهم بسيارات حكومية فارهة الى الحدائق والملاعب والمسابح , على حساب جيوب الفقراء , وما علمت ان سائق سيارة الاجرة يطالب المواطن بالفرق , وقد ارتفع كل السلع في غياب رقابة صارمة على الاسواق, حتى سائقي سيارات النضح للمناطق التي لم تصلها خدمة الصرف الصحي طالبوا ايضا بزيادة , حتي اصبح المواطن بين خيارين اما ان يسرق واما ان يحرق نفسه , والشريف لا يسرق , فبقي امامه الخيار الثاني . او يقوم بحراكات في الشارع دافعها الجوع , ومع ذلك فقد شيطنوها واتهموها انها تحمل اجندات خارجية , لكن لا يعرف الجوع الا من يكابده , فأصحاب القصور ما عرفوا الجوع ولا جرّبوه , وما وقف ابناؤهم في الطوابير على المخابز والمطاعم والكازيات , ولم يتعلموا في مدارس تصفق ابوابها للريح , ولم يسقط القلم من ايدي اولادهم من شدة البرد , ولم يجرّبوا الركوب في باصات مؤسسة النقل العام ( جحش الدولة ) عند ذهابهم للعمل والعودة منه , ولم يصرخ المسؤول في وجوههم ويحسم عليهم اجرة يوم اذا تأخروا خمس دقائق .
الذي يفقع المرارة عندما تطالع تقرير ديوان المحاسبة السنوي لعام 2015 والذي بقي في الادراج سنة كاملة , حتى رحلت الحكومة السابقة , ان في الدولة 59 مؤسسة وهيئة عامة وشركة هي عبء على الدولة , بسبب الخسارات المتتالية , وذلك بسبب الارتفاع فاحش في رواتب مدراءها ونوابهم , والمكافآت والبدلات والضيافات والسفرات الخارجية , فكبدت الدولة 20مليار دولار سددت اما من الخزينة , او بقروض ضمنتها الدولة , وهذا ما يبرر ارتفاع المديونية خلال اربع سنوات الى 27 مليار, هل يعقل ان دولة مديونيتها 27 مليار راتب اعلامية في احدى مؤسساتها40 الف دينار.
سأورد لكم مثالا فقط على احدى المؤسسات حسب ما ورد في تقرير ديوان المحاسبة للعام 2015 , شركة المدن الصناعية الاردنية , التي تعنى ببيع وتأجير اراضي الخزينة لصالح المشاريع الصناعية , تم تعيين المدير التنفيذي براتب 3200 سنة 2012 وتمت زيادة الراتب الي4660 عام 2013 ثم 4900 عام 2014 , و مكافاة سنوية 8 الاف , اضافة الى مكافاة شهرية 255 وسيارة وسائق وبدل محروقات باثر رجعي من تاريخ التعيين , وعندما استقال في1/11/2014منح مكافاة قدرها 100الف دينار , وان المكافآت السنوية لكبار الموظفين بلغت 118 الف عام 2012 و 200الف سنة 2013 و33الف سنة 2014 , وتم شراء سيارتين جديدتين للشركة بقيمة 52 الف دينار , وبند الاستهلاكات 364 الف دينار اضافة الى 1.127.368ذمم مشكوك في استردادها , قيدت على ذمة خزينة الدولة لتصبح الشركة خاسرة , يسد عجزها من جيب المواطن 2,5 مليون دينار , وكذلك شركة الكهرباء الاردنية التي بلغت خسارتها اربعة الاف مليون دينار
وكشف التقرير ايضا عن مجموعة تجاوزات مالية وإدارية في عدد من المؤسسات الحكومية تظهر شكل الانفاق والبذخ الحكومي . وبين التقرير ممارسات بعض المسؤولين في الوزارات والمؤسسات أبرزها صرف مكافآت بألاف الدنانير وتعيين مستشارين بعقود فلكية ، اذ كشف عن قيام احدى الوزارات بشراء طقم كاسات شاي لمكتب الوزير 200 دينار ، وصرف مكافآت لسائقه وصلت الى ما يقارب 6000 دينار.
وكشف التقرير تخصيص عدد من المركبات الحكومية الفارهة لاستخدام أمين عام وزارة المياه والري وأمين عام السلطة خارج الدوام الرسمي خلافا لقرارات مجلس الوزراء الأردني لعام 2011، وبين التقرير تغاضي مؤسسة الضمان الاجتماعي عن اقساط تستحق على موظفين متقاعدين من المؤسسة . وتحدث التقرير عن شبهات تزوير في تصاريح العمالة الوافدة في احدى مديريات وزارة الزراعة ، وصرف ما يقارب 7000 دينار استهلاك كهرباء لمنزل رئيس مؤسسة الموانئ الأردنية ، وصرف مبلغ 70 الف دينار لرئيس جمعية الهلال الأحمر من (2010-2015) بدل سفر، وصرف بطاقة “فيزا” لتغطية نفقات سفره. و يأتي البذخ الحكومي في وقت يعاني فيه الاقتصاد من وضع صعب، دفع الحكومة لاتخاذ جملة من القرارات تتضمن رفع الأسعار والرسوم والضرائب على المواطنين , وهذا غيض من فيض , والتقرير منشور يمكن لأي منكم ان يطلع عليه , مع انني لا انصحكم حفاظا على مراراتكم ان تنفقع .
وبعد ايها السادة الافاضل , وصل إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، مال عظيم من الغنائم ، فقال: إن قوما أدّوا الأمانة في هذا لأمناء، فقال له سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه : يا امير المؤمنين عففت فعفت رعيتك , ولو رتعت لرتعوا . والسؤال الذي يحيرني وقد يحيركم : مبيعات شركة البوتاس الاردنية 600 مليون دولار بينما الشركة على الجانب الاسرائيلي مبيعاتها 6 مليار رغم ان البحر نفس البحر والناتج نفس الناتج , لماذا في رايكم ؟ طبتم وطابت اوقاتكم
إرسال تعليق