0






تغريـــــــدة الشــــــــعر العربي
بقلم : السعيد عبد العاطي مبارك – الفايدي 
--------------------------------------- 
((( الأخلاق في الشــــــــــعر العربي ---------- !! )))

ألا ، إنَّ أخلاقَ الرجالِ وَ إنْ نمتْ فأربعة ٌ منها تفوقُ على الكلَّ :
وَقَارٌ بِلاَ كِبْرٍ، وَصَفْحٌ بِلاَ أَذى ً وَجُودٌ بِلاَ مَنٍّ، وَحِلْمٌ بِلاَ ذُلِّ
( شاعر السيف و القلم : البارودي )

ان منظومة الاخلاق الانسانية تظل تحمل دلالات واحدة عبر العصور و قد اكتملت مع ظهور الاسلام فاضاف اليها كثير من مكارمها الفاضلة و لكننا نمسك ببعض الابيات علي كنموذج يبرهن علي قضية الاخلاق التي هي ميزان الامم في كل زمان و مكان ---- 
و لم لا فقد جاء في القرآن الكريم " و انك لعلي خلق عظيم " و هذا مدح من الله عز وجل لرسوله الكريم انه دستور الأخلاق و الحياة --------
حيث كان قرآنا يمشي علي الأرض قولا و عملا قدوة حسنة 
و قال صاحب الخلق العظيم صلي الله عليه و سلم " أدبني ربي فأحسن تأديبي " 
و قد عرفنا أن " الأدب العربي " يشمل مجموع القيم و الأخلاق و الحكمة بغية تهذيب النفوس

و للشعر كلمة في منظومة ( الأخلاق ) التي تميز الانسان عن سائر المخلوقات و تقتبس الخير من القرآن و السنة و نواميس الانسانية فن و ابداع يقوم النفس مع الحياة -------- 
و ها هو الشاعر الجاهلي عنترة بن شداد يصف الاخلاق و المرؤة في صفات حميدة قائلا :
يخبرك من شهد الوقيعة أنني, أغشى الوغى وأعف عند المغنم
و يقول عروة بن الورد فكان يتغافل حتى تلج جارته بيتها ، فيقول
وإن جارتي ألوت رياح بيتها تغافلت حتى يستر البيت جانبه
و يقول الجمّال العبدي:
لا النائبات لهذا الدهر تقطعنى والصبر مني على ما نابني خُلُقُ
إنّ الكريمَ صبورٌ كيفما انصرفت به الصروفُ إذا ما أفلق الفرَقُ
و في ظل الاسلام يطالعنا الشعر الذي هذبه الاسلام فحمل رسالة الاخلاق الكريمة و الصفات الحميدة 
يقول الامام علي كرم الله وجه :
وكُلُّ جراحةٍ فلها دواءٌ . وسوءُ الخلقِ ليسَ له دواءُ
وليس بدائمٍ أبداً نعيمٌ كذاكَ البؤسُ ليس له بقاءُ 
و يقول الامام الشافعي رضي الله عنه : 
لما عفوت ولم أحقد على أحد أرحت نفسي من هم العداوات
إني أحيي عدوي عند رؤيته لأدفع الشر عني بالتحيات
وأظهر البشر للإنسان أبغضه كما إن قد حشى قلبي مودات

و قد أعرب اللغوي الكبير صاحب كتاب الحيوان الجاحظ عن احقيت الأخلاق قائلا في حكمته :
لا مروءة لكذوب ، ولا وَرَعَ لِسَيِّىءِ الخلق
و يقول أبو العلاء المعري :
إن مازت الناسَ أخلاقٌ يُعاشُ بها، فإنهم، عند سوء الطبع، أسواء
أو كان كلّ بني حَوّاءَ يُشبهني، فبئسَ ماولدت في الخلق حَوّاءُ

و بين المهلب درجات الأخلاق قائلا :
أدنى أخلاق الشريف كتمان سِرِّهِ ، وأعلى أخلاقه نسيان ما أُسِرَّ إليه
و أجمل لنا ابو الاسود الدؤلي عن كمال الأخلاق قائلا 
لا تَنْـهَ عَنْ خُلُـقٍ وتَأْتِـي مِثْلَـهُ عَـارٌ عَلَيْـكَ إِذَا فَعَلْـتَ غَظِيـمُ 
قال أبو تمام :
فَلَـمْ أَجِـدِ الأَخْـلاقَ إِلاَّ تَخَلُّقـاً وَلَـمْ أَجِـدِ الأَفْضَـالَ إِلاَّ تَفَضُّـلاَ 
و يقول علي بن الجهم :
هِيَ النَفسُ ما حَمَّلتَها تَتَحَمَّلُ وَلِلدَّهرِ أَيّامٌ تَجورُ وَتَعدِلُ
وَعاقِبَةُ الصَبرِ الجَميلِ جَميلَةٌ وَأَفضَلُ أَخلاقِ الرِجالِ
و ها هو محمود الأيوبي يبين لنا ميزان الأخلاق قائلا :
والمَرْءُ بِالأَخْـلاقِ يَسْمُـوا ذِكْـرُهُ وبِهَا يُفَضَّـلُ فِي الـوَرَى وَيُوَقَّـرُ 
و ها هو رائد الشعر العربي الحيث شاعر السيف و القلم " محمود سامي البارودي " يفصل لنا مراتب الأخلاق :
ألا ، إنَّ أخلاقَ الرجالِ وَ إنْ نمتْ فأربعة ٌ منها تفوقُ على الكلَّ :
وَقَارٌ بِلاَ كِبْرٍ، وَصَفْحٌ بِلاَ أَذى ً وَجُودٌ بِلاَ مَنٍّ، وَحِلْمٌ بِلاَ ذُلِّ

و لأمير الشعر العربي صولات و جولات مع منظومة الأخلاق من درر شعرنا العربي يقول فيها حكم دائرة الصيت و الشهرة :
وإِنَّمَـا الأُمَـمُ الأَخْـلاقُ مَا بَقِيَـتْ فَـإِنْ هُمُ ذَهَبَـتْ أَخْـلاقُهُمْ ذَهَبُـوا
صَـلاحُ أَمْـرِكَ لِلأَخْـلاقِ مَرْجِعُـهُ فَقَـوِّمِ النَّفْـسَ بِالأَخْـلاقِ تَسْتَقِـمِ
و له أيضا :
وَإِذَا أُصِيـبَ القَـوْمُ فِـي أَخْـلاقِهِمْ فَأَقِـمْ عَلَيْهِـمْ مَـأْتَمـاً وَعَـوِيـلاَ
و قال شاعر النيل حافظ أبراهيم :
وَإِذَا رُزِقْـتَ خَلِيقَـةً مَـحْمُـودَةً فَقَـدْ اصْطَفَـاكَ مُقَسِّـمُ الأَرْزَاقِ
و يقول حافظ عن الخلال الكريمة :
إِني لتطربُني الخِلالُ كريمةً . . . . طربَ الغريبِ بأوبةٍ وتلاقِ
ويَهُزُّني ذكْرُ المروءةِ والندى . . . . بين الشمائلِ هزةَ المشتاقِ 
فإِذا رُزقتَ خَليقةً محمودةً . . . . فقد اصطفاكَ مقسِّمُ الأرزاقِ 
والناسُ هذا حظُّه مالٌ وذا . . . . علمٌ وذاكَ مكارمُ الأخلاقِ 
والمالُ إِن لم تَدَّخِرْه محصناً . . . . بالعلمِ كان نهايةَ الإملاقِ
و يفسر الاخلاق لنا شاعر العراق معروف الرصافي :
هِـيَ الأَخْـلاقُ تَنْبُـتُ كَالنَّبَـاتِ إِذَا سُـقِيَـتْ بِمَـاءِ المَكْـرُمَـاتِ
فَكَيْـفَ تَظُـنُّ بِـالأَبْنَـاءِ خَيْـراً إِذَا نَشَـأُوا بِحُضْـنِ السَّـافِـلاتِ
و يقول الزهاوي فيلسوف العراق :
إِذا بيئةُ الإِنسانِ يوماً تغيَّرَتْ . . . . فأخلاقُه طِبْقاً لها تتغيرُ 
و بعد هذه الاطلالة علي منظومة الاخلاق الكريمة من منظور عربي عبر رحلة الشعر قديما وحديثا نمسك بالغرض الاسمي نحو ظاهرة الآداب السامية و الخلال الحميدة التي يحلي بها العربي من شجاعة و نخوة و كرم وجود و أصالة في المعاملات و الآداب مع الناس فجاءت الحكمة تزين الأفواة و تغرس الفضائل في النفوس كي تستقيم الحياة و مازالت قضية الأخلاق تحكم المجتمعات التي تنهض بالمدنية الحديثة و للبيئة العربية دستور أخلاقي متمثل في " الكتاب و السنة " نقتبس من فيض نبلهما الكثير و الكثير حسب المواقف نتحلي بحكمة الأخلاق الحميدة و الخلال الكريمة قولا و عملا فكلها صفات سامية يقرها الشرع مع الانسانية عبر الزمان و المكان فهي عنوان الانسان دائما ----
مع الوعد بلقاء متجدد لتغريدة الشعر العربي أن شاء الله

* * *

إرسال تعليق

 
Top